أعلن نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) المدعوم من الأمم المتحدة الأسبوع الماضي عن وجود ظروف مجاعة في أجزاء من شمال غزة، وكتب جون سبنسر أن هذا الإعلان اعتمد على توقعات مستقبلية بدلًا من الأدلة الميدانية المعتادة مثل أعداد الوفيات اليومية بسبب سوء التغذية أو تقارير محدثة عن معدلات الوفاة جوعًا. لم تُعرض بيانات دقيقة عن أعداد الضحايا، كما لم يُذكر أن إدخال المساعدات إلى غزة ارتفع خلال الأسبوعين الماضيين. ورغم ذلك، أثار الإعلان عناوين عريضة حول العالم متجاهلًا القاعدة التجريبية التي تشترطها المنظمة لتوصيف المجاعة.
وفي خضم هذا الجدل الإنساني، غابت مصر عن النقاشات الجادة لإيجاد حلول. ووفق تقرير جيروزاليم بوست، تُعد القاهرة طرفًا موقّعًا على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وبروتوكول 1967 الذي وسّع الحماية للاجئين بإلغاء القيود الجغرافية والزمنية، إضافة إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969 الخاصة بمشكلات اللاجئين في القارة. ومع ذلك، يرفض النظام المصري فتح حدوده أمام الفلسطينيين النازحين من غزة.
بعد هجمات 7 أكتوبر واندلاع الحرب، عززت القاهرة موقفها عبر نشر فرقة مدرعة وعشرات الآلاف من الجنود في شمال سيناء، وبناء تحصينات جديدة على الحدود، وتشييد جدار ضخم قرب رفح لمنع خروج المدنيين من القطاع. جاءت هذه الخطوات لتؤكد أن إغلاق الحدود قرار مُسبق تلاه التبرير السياسي.
يصف رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي استقبال اللاجئين الفلسطينيين في سيناء بأنه "خط أحمر"، محذرًا من أن نزوحهم سيؤدي إلى "تصفية القضية الفلسطينية" عبر إبعادهم عن أرضهم. ويردد المسؤولون المصريون أن الأمن القومي مهدد، مشيرين إلى التمرد الطويل في سيناء وإمكانية استغلال الجماعات المسلحة للأرض كقاعدة انطلاق. كما يعلنون أن مصر لا تملك موارد أو بنية تحتية قادرة على استيعاب تدفق جديد، خصوصًا وهي تستضيف ملايين اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين من دول عدة.
قد تبدو هذه المبررات منطقية من منظور أمني أو سياسي، لكنها لا تلغي البعد الإنساني في ظل المعاناة الجماعية وعدم الاستقرار الإقليمي. فلا دولة واحدة عبر التاريخ استطاعت تحمل عبء نزوح كامل بمفردها، ولا أي دولة نجحت في إغلاق جميع طرق الهروب أمام المدنيين.
عندما اجتاحت روسيا أوكرانيا، نزح أكثر من خمسة ملايين أوكراني عبر الحدود إلى بولندا ورومانيا ودول أوروبية أخرى، وتقاسمت الدول العبء. وفي سوريا، منذ 2011، خرج أكثر من ستة ملايين إنسان إلى تركيا ولبنان والأردن. وفي اليمن، توزع ملايين النازحين على عدة دول مجاورة. وحدها غزة تظل محاصرة بقرار مصر التي تسيطر على المعبر الوحيد غير الإسرائيلي، فيما تستمر الحرب مع حماس.
ويعني هذا الوضع أن كل المساعدات الإنسانية تُضخ مباشرة إلى داخل غزة حيث ما زالت حماس تحتفظ بالسلطة وتطلق الهجمات وتحتجز رهائن، مما يجعل الإمدادات عرضة للاستيلاء أو الاستغلال. يرى الكاتب أن هذه الحالة غير مسبوقة، إذ لم يحدث في أي حرب حديثة أن واصل طرف قتال عدوه وفي الوقت نفسه ضخ كميات ضخمة من الغذاء والدواء إلى مناطق يسيطر عليها ذلك العدو.
ويقترح الكاتب حلولًا بديلة، منها إنشاء منطقة إنسانية مسوّرة داخل غزة نفسها تحت إشراف دولي مباشر، بحيث تقدم الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الغذاء والماء والرعاية الطبية للمدنيين الباحثين عن حماية مؤقتة. نماذج كهذه وُجدت في نزاعات أخرى، وتوفر ملاذًا من القتال دون أن تعني ترحيلًا دائمًا. ويضيف أن الحجج المصرية حول "التوطين" غير واقعية، إذ صرّح مسؤولون إسرائيليون علنًا بأن الفلسطينيين سيعودون إلى غزة بعد هزيمة حماس، ويمكن لمجلس الأمن إصدار قرار يضمن ذلك.
بهذا المعنى، لا يعني فتح ممر إنساني في سيناء أو إقامة منطقة آمنة إلغاء الهوية الفلسطينية، بل يخفف من الكارثة الإنسانية لحين توقف الحرب. أما سياسات القاهرة بتعزيز التحصينات العسكرية وبناء الجدران وإغلاق كل منفذ فهي قرارات سيادية، لكنها لا ينبغي أن تُقبل دون نقد. دروس أوكرانيا وسوريا واليمن واضحة: النزوح الجماعي لا يُواجه بالحصار بل بالتعاون الإقليمي والدولي.
ويرى الكاتب أن مصر قد تدّعي حماية القضية الفلسطينية، لكنها فعليًا تحاصر المدنيين داخل ساحة القتال. لذلك على المجتمع الدولي أن يتوقف عن تبرير هذا الموقف ويبدأ بالضغط لإيجاد حلول عملية تنقذ الأرواح وتحافظ في الوقت نفسه على حق العودة. ومع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، لا يجوز استمرار غياب مصر عن الحوار أو مواصلة منع أي خيار إنساني.
ويخلص جون سبنسر، رئيس قسم دراسات الحروب في منتدى ماديسون للسياسات والمدير التنفيذي لمعهد الحروب الحضرية، إلى أن الأولوية الأممية يجب أن تتركز على إنشاء منطقة إنسانية تحت رقابة دولية في صحراء سيناء تمنح المدنيين ممرًا آمنًا حتى نهاية الحرب.
https://www.jpost.com/opinion/article-865279